اخبار

من “محتوى تافه” إلى إمبراطورية المليارات: كيف تحوّل مسلسل كيم كارداشيان إلى ظاهرة رقمية لا تُقهر؟

بقلم: فريق تحرير عرب سيد نيوز

في عالم الإعلام الرقمي، توجد قاعدة ذهبية واحدة: “الانتباه هو العملة الجديدة”. وبينما يضيع الكثيرون وقتهم في انتقاد عائلة كارداشيان ووصف محتواهم بـ “التافه” أو “الفاشل” فنياً، كانت كيم كارداشيان وشقيقاتها مشغولات ببناء واحدة من أذكى الإمبراطوريات الرقمية في القرن الحادي والعشرين.

كيف تمكنت امرأة، بدأت حياتها المهنية وسط عاصفة من الانتقادات وسلسلة من تلفزيون الواقع التي سخر منها النقاد، من تحويل هذا “الفشل” الفني المزعوم إلى ظاهرة رقمية تدرس في كليات التسويق؟ في هذا المقال الحصري لـ عرب سيد نيوز، نغوص في عمق الاستراتيجية الكارداشيانية.

الأسطورة الكاذبة: “مشاهير بلا موهبة”

لسنوات طويلة، ردد النقاد عبارة أن كيم كارداشيان “مشهورة لكونها مشهورة فقط”. ولكن، إذا نظرنا بعين المحلل الاقتصادي والرقمي، سنكتشف أن هذا الوصف غير دقيق. الموهبة هنا ليست الغناء أو التمثيل (رغم محاولاتها الأخيرة)، بل الموهبة هي “الهندسة الاجتماعية” و “إدارة الأزمات”.

المسلسل التلفزيوني Keeping Up With The Kardashians، ورغم تقييماته المتدنية على مواقع النقد الفني، لم يكن الهدف منه الفوز بجوائز الإيمي، بل كان مجرد “إعلان تجاري طويل الأمد”. لقد استخدمت كيم الشاشة الصغيرة كمنصة إطلاق لشيء أكبر بكثير: السيطرة على الهواتف الذكية.

استراتيجية التحول: من التلفزيون إلى الديجيتال

 

يكمن سر النجاح الرقمي لكيم كارداشيان في قدرتها على قراءة المستقبل قبل غيرها. أدركت مبكراً أن التلفزيون التقليدي يحتضر، وأن القوة الحقيقية تكمن في التواصل المباشر مع الجمهور (D2C).

1. كسر الجدار الرابع عبر السوشيال ميديا

 

بينما كان المشاهير الآخرون يستخدمون وكلاء لإدارة حساباتهم، كانت كيم تشارك تفاصيل حياتها “لحظة بلحظة” عبر تويتر وإنستغرام. هذا خلق شعوراً زائفاً ولكنه قوي بـ “القرب” و”الصداقة” بينها وبين المتابعين. عندما يشعر المتابع أنه يعرفك، فإنه يثق في ما تبيعه.

2. الاقتصاد القائم على الجدل (Controversy Marketing)

 

كلما انخفضت المشاهدات أو قل التفاعل، كانت تظهر “أزمة” جديدة. طلاق، خلاف عائلي، أو تغيير جذري في المظهر. في عالم خوارزميات فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، المحتوى الذي يثير الجدل يحصل على انتشار (Reach) مجاني يقدر بملايين الدولارات. كيم حولت الكارهين (Haters) إلى مسوقين مجانيين لها؛ فكل تعليق سلبي يرفع من ظهور منشوراتها.

نموذج العمل: تحويل المتابعين إلى عملاء

 

النقطة الفاصلة التي حولت المسلسل من مجرد عرض ترفيهي إلى ظاهرة اقتصادية هي تحويل الجمهور من مشاهدين إلى مستهلكين.

  • براند Skims: لم تكتفِ كيم بكونها وجهاً إعلانياً، بل أسست علامة تجارية (Skims) قيمتها الآن تتجاوز 4 مليارات دولار. السر؟ هي استخدمت جسدها الذي كان مادة للنقد، ليكون هو الحل التسويقي لنساء العالم.

  • اللعبة الرقمية: هل تذكرون لعبة Kim Kardashian: Hollywood؟ كانت من أوائل التطبيقات التي حققت أرباحاً خيالية، مما أثبت أن اسمها وحده علامة تجارية قابلة للتحويل إلى “كود رقمي”.

الانتقال إلى هولو (Hulu) وتغيير قواعد اللعبة

عندما انتهى العقد مع قناة E!، اعتقد الكثيرون أن هذه نهاية عهد الكارداشيان. لكنهم فاجأوا العالم بصفقة ضخمة مع منصة “هولو” الرقمية. هذا الانتقال لم يكن مجرد تغيير في القناة، بل كان اعترافاً بأن جمهورهم لم يعد يجلس أمام التلفاز، بل يمسك بالآيباد والهاتف.

المسلسل الجديد صُوّر بطريقة وثائقية أكثر احترافية، مما أعطى انطباعاً بـ “النضوج”. لقد حولوا حياتهم من “تلفزيون واقع رخيص” إلى “محتوى بريميوم” يُدفع من أجله اشتراك شهري.

دروس تسويقية من “ظاهرة كارداشيان”

لرواد الأعمال وصناع المحتوى العرب، إليكم ما يمكن تعلمه من هذه الظاهرة:

  1. المرونة (Resilience): لا تدع النقد يوقفك. استخدم النقد كوقود للانتشار.

  2. امتلك جمهورك: لا تعتمد على منصة واحدة. كيم توزع تواجدها بين التلفزيون، إنستغرام، وتيك توك.

  3. تطور أو مت: كيم بدأت كمنسقة ملابس، ثم نجمة واقع، والآن تدرس المحاماة وتدير شركات مليارية. الجمهور يمل بسرعة، وعليك أن تقدم لهم نسخة جديدة من نفسك كل بضع سنوات.

الخاتمة

في النهاية، قد لا تحب كيم كارداشيان، وقد لا تتفق مع أسلوب حياتها، ولكن لا يمكنك إلا أن ترفع القبعة لذكائها التجاري. لقد أخذت موقفاً كان يمكن أن يدمر أي شخص آخر (الفضائح والانتقادات)، وبنت عليه ناطحة سحاب رقمية.

مسلسل كيم كارداشيان لم يكن يوماً “فاشلاً” بمقاييس العصر الرقمي؛ بل كان المخطط الهندسي الذي غيّر وجه التسويق المؤثر (Influencer Marketing) للأبد. والسؤال الآن ليس “لماذا هم مشهورون؟”، بل “ماذا سيبعيون لنا غداً؟”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى